حسمت ثورتا تونس ومصر إثر اندلاعهما عامي 2010 و2011 مشكلة رأس النظام. فأسقطتا زين العابدين بن علي وحسني مبارك بسرعة، وبدأتا فورا عملية انتقال سياسي، قبل أن يتمكن المجتمع الدولي -المصاب بالذهول- من امتلاك ناصية التدخل أو الوساطة.
لم تتحقق هذه الرفاهية لبلدان الربيع العربي الأخرى: سوريا، واليمن، وليبيا. الأولى عرفت خلال سنوات أزمتها الأربع أربعة مبعوثين أولهم عربي جاء ممثلا للجامعة العربية، والثلاثة الباقون أتوا ممثلين لمجلس الأمن والجامعة العربية. وقد أقروا جميعا بفشلهم، فيما يواصل السويدي ستيفان دي ميستورا مساعيه.
في اليمن أخذ مجلس التعاون الخليجي المبادرة بوساطة قدمت استقرار اليمن على الأمل بالتغيير. واتخذها المبعوث الدولي جمال بنعمر خارطة طريق لعمله. قبل أن ينقلب الحوثيون عليها وسط اتهامات له بالتواطؤ معهم. وبعد غرق اليمن في الاحتراب جيء بالمبعوث الأممي الجديد إسماعيل ولد شيخ أحمد لإنقاذ الموقف.
في ليبيا اختلفت الصورة. فقد سرعت التقارير عن قسوة العقيد الراحل معمر القذافي التدخل الدولي الممهور بختم حلف الناتو. وأتى الموفد الدولي الأول عبد الإله الخطيب لمساعدة ليبيا على التحول الديمقراطي. وبعد سقوط طرابلس تبدلت المعطيات فعين البريطاني إيان مارتن لرعاية المسار الديمقراطي الذي تعقد بحضور خلفه اللبناني طارق متري.
ومع تعقد الأزمة الليبية وانشطار مؤسساتها وأحزابها واحترابهم باشر الإسباني برناردينو ليون -خلف متري- وساطة تتواصل في المغرب والجزائر. لكن الملفت في الحالة الليبية أن المبعوث الدولي -المتمتع برعاية مجلس الأمن - يعمل وإلى جانبه مبعوث خاص لكل من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وتركيا والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي.
تلقي هذه التغطية ضوءا على ظاهرة المبعوثين الدوليين بعد انطلاق ثورات الربيع العربي، وتتقصى نتائج عمل كل منهم في سوريا وليبيا واليمن، والحصيلة التي خرجوا بها عبر مقال للكاتب عمر كوش. نبدأ بتعريف المصطلح.
المبعوث.. المصطلح والمهام
أوضح تقرير حول تعزيز الشفافية في عملية اختيار وتعيين كبار المديرين أعدته وحدة التفتيش المشتركة في بعثة الأمم المتحدة بمدينة جنيف السويسرية أن ممثلي الأمين العام يختارون على أسس سياسية ويعملون على أساس الرتبة واللقب اللذين يحددهما الأمين العام.
وهذه التسميات يمكن أن يحددها مجلس الأمن أو الجمعية العامة، وعادة يشير الأمين العام على مجلس الأمن بتعيين ممثليه الخاصين لبعثات حفظ السلام أو بناء السلام أو البعثات السياسية.
ويتحدث التقرير عن أن المستشارين الخاصين للأمين العام تسند إليهم مهمة إسداء المشورة للأمين العام بشأن مواضيع معينة وعلى أساس مخصص.
ويطالب التقرير -إضافة إلى الشخصية والمبادرة التي يجب أن يتمتع بها المبعوثون- بأن تكون هناك آلية واضحة حتى يتم تعيين المبعوثين على أساسها.
ويتابع التقرير أن المبعوثين، وغيرهم من الموظفين الخاصين رفيعي المستوى يقومون فقط بزيارة المناطق التي هم مسؤولون عنها من وقت لآخر ولا يقيمون فيها.
ويرى مراقبون أن هناك معايير غير مكتوبة لتعيين هؤلاء المبعوثين أبرزها:
- الدولة التي ينتمي إليها ويجب أن تكون محايدة في القضية المنوط به المساعدة بحلها.
- عليه إتقان عدة لغات لمحاولة التواصل مع جميع الأطراف.
- خبرته في مجال الوساطة وإلمامه بسياسة الدولة التي سيعمل فيها.
وعن آلية تعيين المبعوثين يقول السفير السابق بلال المصري للجزيرة نت إن الأمين العام يرسل رسالة لرئيس مجلس الأمن يحيطه علماً باعتزامه تعيين ممثل خاص لموضوع ما.
ويستطرد أن عملية اختيار الممثل الخاص ثم تعيينه تفتقد إلى الكثير من الموضوعية، إذ هي في النهاية تصرف بناء علي تقييم شخصي من قبل الأمين العام، تمليه "عوامل عدة من بينها إرادة القوى الكبرى الدائمة العضوية بمجلس الأمن، ولهذا فممثل الأمين العام في هذا الموقف- شأنه شأن اختيار الأمين العام للأمم المتحدة- فهو مُعين اتساقا مع إرادة الدول دائمة العضوية وموقفها من هذا الصراع أو ذاك أو تلك القضية والأخرى".
مبعوثون..وأزمات
وساطات لم تأت أكلها
حفلت ثورات ليبيا واليمن وسوريا بالمبعوثين العرب والدوليين الذين حاولوا التوسط وإنهاء الثورات بشكل سلمي، إلا أنهم اصطدموا بتعنت وعنف الأنظمة التي حاولت وأد هذه الثورات.
وعينت الأمم المتحدة بعد أسابيع من اندلاع ثورة ليبيا يوم 17 فبراير/شباط 2011 وزير الخارجية الأردني الأسبق عبد الإله الخطيب مبعوثا أمميا خاصا للعمل "بكثب مع الحكومات الإقليمية والمجتمع الدولي لتنسيق رد سريع وفعال وضمان الانتقال إلى نظام حكم ديمقراطي في ليبيا".
ومع استمرار الثورة الليبية وتحولها إلى مسلحة، صدر قرار من الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2011 بتشكيل "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا" (أونسميل).
وجاء تأسيس اللجنة "بناء على طلب من السلطات الليبية، في أعقاب ستة أشهر من النزاع المسلح، وذلك لدعم جهود السلطات الانتقالية الجديدة للبلاد في مرحلة ما بعد الصراع".
"في اليمن دخل الخليجيون على خط الوساطة بعد اندلاع الثورة يوم 11 فبراير/شباط 2011 وقدموا "المبادرة الخليجية" في الثالث من أبريل/نيسان 2011 -أي بعد أقل من شهرين من اندلاع الثورة- للتوسط بين المحتجين ونظام الرئيس علي عبد الله صالح"
وتناوب على رئاستها الدبلوماسي البريطاني إيان مارتن (11 سبتمبر/أيلول2011- 17 أكتوبر/تشرين الأول 2012)، ثم السياسي اللبناني طارق متري (12 سبتمبر/أيلول 2012- سبتمبر/أيلول 2014)، فالدبلوماسي الإسباني برناردينو ليون (أغسطس/آب 2014 حتى الآن).
وفي اليمن دخل الخليجيون على خط الوساطة بعد اندلاع الثورة يوم 11 فبراير/شباط 2011 وقدموا "المبادرة الخليجية" في الثالث من أبريل/نيسان 2011 -أي بعد أقل من شهرين من اندلاع الثورة- للتوسط بين المحتجين ونظام الرئيس علي عبد الله صالح، إلا أن الأخير أجل مرارا التوقيع على المبادرة قبل أن يفعل ذلك بالرياض في نوفمبر/تشرين الثاني 2011.
وبرز أيضا في الوساطة بين صالح وشباب الثورة اسم البريطاني من أصل مغربي جمال بن عمر الذي عين مبعوثا دوليا (أبريل/نيسان 2011-أبريل/نيسان 2015) ومن ثم رعى الحوار السياسي بين حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي والأحزاب السياسية من جهة وجماعة الحوثيين من جهة أخرى.
لكن مهمته فشلت ودخلت البلاد في أتون حرب أهلية، ثم شن تحالف بقيادة السعودية عملية "عاصفة الحزم" يوم 26 مارس/آذار 2015 ضد انقلاب الحوثيين، ليقدم بن عمر بعدها استقالته وتعين الأمم المتحدة مكانه الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد.
السوريون بدورهم أطلقوا ثورتهم يوم 15 مارس/آذار 2011 لخلع نظام الأسد الذي يحكم سوريا منذ عام 1971. الثورة التي بدأت سلمية وتطالب برحيل وإسقاط نظامه تحولت إلى عسكرية، هذا الواقع دفع بداية الجامعة العربية لإرسال بعثة مراقبين في ديسمبر/كانون الثاني 2011 برئاسة الدبلوماسي السوداني السابق محمد الدابي "لتفقد الأوضاع بسوريا"، واستمر عمل الفريق قرابة الشهر.
قبل دي مستورا
ثم جاء دور الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان مبعوثا عربيا ودوليا مشتركا (23 فبراير/شباط 2012-الثاني من أغسطس/آب2012) وقدم خطة للسلام ووقف الحرب في البلاد، لكنه اصطدم بأفق مسدود سياسيا وأمنيا وعسكريا.
ثم تبعه في المهمة والمصير الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي (الأول من سبتمبر/2012 إلى 31 مايو/أيار2014).
وعين الأمين العام للأمم المتحدة الدبلوماسي والسياسي السويدي ستيفان دي ميستورا في العاشر من يوليو/تموز 2014، وقدم خطة في فبراير/شباط 2015 تقضي بوقف إطلاق نار جزئي من خلال البدء في "تجميد المعارك بحلب".
وكانت احتجاجات الربيع العربي التي انطلقت من مدينة "سيدي بوزيد" وسط تونس يوم 18 ديسمبر/كانون الثاني 2010، سرعان ما انتشرت في جميع أنحاد "بلاد الياسمين" وتحولت إلى ثورة أطاحت خلال أقل من شهر بالرئيس زين العابدين بن علي الذي حكم البلاد لأكثر من 23 عاما.
وبعد تونس جاء دور مصر ورئيسها حسني مبارك الذي كان يحتفل بعقده الثالث في حكم مصر حين اجتاحت شوارع البلاد احتجاجات عارمة يوم 25 يناير/كانون الثاني 2001 بلغت ذروتها يوم 28 يناير بـ"جمعة الغضب" ولم يصمد حكم مبارك سوى أسبوعين حتى أعلن نائبه تخليه عن الحكم.
أفق مسدود بسوريا
بعد نحو تسعة أشهر على انطلاق الثورة السورية شكلت الجامعة العربية بعثة مراقبين في ديسمبر/كانون الثاني 2011 وأوكلت رئاستها للسياسي والدبلوماسي السوداني محمد الدابي، وحددت مهمة المراقبين (نحو 165 مراقبا من مختلف الدول العربية) في مراقبة الوضع الإنساني في سوريا، ومدى التزام النظام بالمبادرة العربية التي تقضي بسحب قواته من مناطق الاحتجاج، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، والتفاوض مع المعارضين.
وماطلت دمشق عدة أسابيع وطلبت تعديلات وفرضت شروطا قبل التوقيع يوم 19 ديسمبر/كانون الثاني 2011 على "البروتوكول المحدد للإطار القانوني ومهام بعثة المراقبين العرب إلى سوريا".
وبعد ثلاثة أيام من التوقيع، دخلت طلائع البعثة البلاد يوم 22 ديسمبر/ كانون الثاني ، وبعد شهر أعلنت السعودية سحب بعثة مراقبيها بسبب استمرار القتل في المدن. وبعد يومين حذت دول الخليج حذو السعودية، إلى أن علقت الجامعة العربية يوم 28 يناير/كانون الثاني 2012 عمل بعثة المراقبة بسبب "استمرار القتل في المدن".
"قبل أن يجف حبر استقالة الدابي، عيّنت الأمم المتحدة الأمين العام السابق للمنظمة الدولية كوفي عنان مبعوثا عربيا ودوليا مشتركا يوم 23 فبراير/شباط 2012 وقدم خطة للسلام تفرض وقفا لإطلاق النار من جميع الأطراف ابتداءً من العاشر من أبريل/نيسان 2012"
وتعرضت اللجنة لسيل من الانتقادات في قدراتها وخبرة وكفاءة أعضائها حتى من داخل الجامعة العربية والمعارضة السورية، وخصوصا بعد تقرير الدابي الذي حمّل "طرفي الأزمة السورية مسؤولية استمرار العنف"، وتصريحاته بأن "العنف في سوريا قلّ بوجود المراقبين". وقال وقتها إن "الوضع هادئ ومستقر في حمص".
هذه الانتقادات أجبرت الدابي على تقديم استقالته يوم 12 فبراير/شباط 2012 وقبلها الأمين العام للجامعة العربي نبيل العربي.
وقبل أن يجف حبر استقالة الدابي، عيّنت الأمم المتحدة الأمين العام السابق للمنظمة الدولية كوفي عنان مبعوثا عربيا ودوليا مشتركا يوم 23 فبراير/شباط 2012 وقدم خطة للسلام تفرض وقفا لإطلاق النار من جميع الأطراف ابتداءً من العاشر من أبريل/نيسان 2012.
وتتألف الخطة من ست نقاط:
1- الالتزام بالتعاون مع المبعوث في عملية سياسية تشمل كل الأطياف السورية لتلبية التطلعات المشروعة للشعب السوري وتهدئة مخاوفه.
2- الالتزام بوقف القتال والتوصل بشكل عاجل لوقف فعال للعنف المسلح بكل أشكاله من كل الأطراف تحت إشراف الأمم المتحدة لحماية المدنيين وتحقيق الاستقرار في البلاد.
3- ضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت الملائم لكل المناطق المتضررة من القتال ولتحقيق هذه الغاية وكخطوات فورية قبول وتنفيذ وقف يومي للقتال لأسباب إنسانية.
4- تكثيف وتيرة وحجم الإفراج عن الأشخاص المحتجزين تعسفيا وبوجه خاص الفئات الضعيفة والشخصيات التي شاركت في أنشطة سياسية سلمية.
5- ضمان حرية حركة الصحفيين.
6- احترام حرية التجمع وحق التظاهر سلميا كما يكفل القانون.
وفي سياق هذه الخطة أصدر مجلس الأمن الدولي يوم 14 أبريل/نيسان 2012 القرار رقم 2042 القاضي بإنشاء بعثة مراقبة أممية لرصد وقف أعمال العنف المسلح بجميع أشكاله من جانب كافة الأطراف في سوريا.
هذه الخطة التي وصفت بأنها "من أكثر المحاولات الدولية جديّة لتسوية الأزمة السورية دبلوماسيا"، اصطدمت بأفق سياسي وأمني وعسكري مسدود، مما دفع أنان لتقديم استقالته في الثاني من أغسطس/آب2012، وقال بعد تركه منصبه إن "تعنت الطرفين والجمود في مجلس الأمن ومنع أي حل سلمي وعدم وجود موقف موحد ودبلوماسية فعالة من زعماء العالم، (كل ذلك) جعل الحل السلمي في سوريا مهمة شبه مستحيلة".
وبعد شهر من استقالة أنان حل محله الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي في الأول من سبتمبر/أيلول 2012، ورغم جولات المبعوث المخضرم المكوكية وجولاته ولقاءاته، فإنه لم يقدم مبادرة متكاملة ما عدا "مبادرة عيد الأضحى" عام 2012 التي لم تنجح.
دي مستورا: لنبدأ من حلب(الأوروبيىة) |
وتحدث الإبراهيمي -الذي استقال يوم 31 مايو/أيار 2014- باقتضاب عن فشل مهمته، ووجه سؤالاً إلى "الأطراف السورية وكل من له مسؤولية ونفوذ في الأزمة.. كم عدد القتلى وحجم الدمار المطلوب قبل أن نصل إلى سوريا جديدة مختلفة عن الماضي، سوريا التي أحببنا واحترمنا لسنوات طويلة؟".
جوار سوريا
ويتابع "أترك موقعي وأترك سوريا ورائي في وضع سيئ ويزداد سوءاً. سوريا لن تتكسر لوحدها، وقد تكسر منها الكثير، وإنما الخطر الذي دهمها يمكن أن يصيب الجوار، وربما ما هو أبعد منه بكثير".
وفي تصريح ثان قال إن "موضوع الحسم ليس في يد النظام، بل بيد جيرانه والمجتمع الدولي. سوريا تعيش حرباً أهلية وحرباً إقليمية.. الحسم العسكري متعذر ما دام باستطاعة المعارضة في الداخل تلقي المزيد من الرجال والسلاح والمال عبر الحدود. احتمال أن تطول الحرب سنوات وارد".
إقرار الإبراهيمي بفشله لم يمنع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من تعيين مكانه السياسي والدبلوماسي السويدي ستيفان دي ميستورا في يوليو/تموز 2014 الذي قدم خطة في فبراير/شباط 2015 تقضي بوقف إطلاق نار جزئي من خلال البدء في "تجميد المعارك بحلب".
بيد أن وكالة رويترز نقلت عن دبلوماسيين مطّلعين على محادثات دي ميستورا أن "الخطة وصلت إلى طريق مسدود، في ظل شعور دمشق بأنها ليست في حاجة إلى تقديم تنازلات لجماعات المعارضة المسلحة المختلفة".
في المقابل أكّدت مصادر سورية رفيعة المستوى لصحيفة لبنانية مقربة من دمشق أن "الخطة باتت فعلاً مجمدة، لكن ليس بسبب المفاوضات نفسها، ولا صلة للفشل بإدارة دي ميستورا، بل إن المشكلة تكمن في الدور السلبي الذي يلعبه داعمو المعارضة المسلحة، وخاصة تركيا وفرنسا".
مثير للجدل باليمن
(ولد الشيخ أحمد لدى وصوله لأول مرة إلى صنعاء أواسط مايو 2015(رويترز)) |
يبدو أن دول الخليج كانت تعي أن الفوضى باليمن ستؤثر على أمنها القومي. وهذا ما دفعها بعد أقل من شهرين من انطلاق الثورة اليمنية يوم 11 فبراير/شباط 2011 لطرح مشروع اتفاقية سياسية في 3 أبريل/نيسان من العام نفسه للتوسط بين شباب الثورة ونظام الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، لترتيب نقل السلطة في البلاد دون الانزلاق إلى فوضى وحرب أهلية.
وأبرز ما نصت عليه الاتفاقية التي سميت "المبادرة الخليجية"، تشكيل حكومة وفاق وطني خلال سبعة أيام من التوقيع، ومنح صالح وعائلته والمقربين منه حصانة من الملاحقة القانونية والقضائية.
ورغم أن هذه المبادرة نصت على منح صالح حصانة لم يرض عنها الثوار، فإن صالح ماطل مرارا في التوقيع عليها، مع تصاعد التعامل العنيف مع المتظاهرين ليوقع عليها بالرياض يوم 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011.
الزياني تولي التوسط لتظهير المبادرة الخليجية لحل أزمة اليمن( الجزيرة) |
وأرفقت هذه المبادرة بآلية تنفيذية اتفق عليها الأفرقاء السياسيون اليمنيون برعاية مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الدبلوماسي البريطاني من أصل مغربي جمال بن عمر.
وبدأ بن عمر مهمته منذ تعيينه في أبريل/نيسان 2011 بترحيب من مختلف الأطراف اليمنية سياسيا وشعبيا. لكنه مع مرور الوقت وخاصة منذ اجتياح الحوثيين محافظة عمران في يوليو/ تموز 2014، ثم العاصمة صنعاء يوم 21 سبتمبر/أيلول الماضي، فقد ثقة بعض الأطراف بعد اتهامه بالتساهل مع الحوثيين.
وبعد هذا الانقلاب الحوثي لم يغب بن عمر عن الصورة . فقد رعى يوم 22 سبتمبر/أيلول 2014 اتفاق إنهاء الأزمة في البلاد، الذي حمل اسم "اتفاق السلم والشراكة الوطنية"، الذي نص على أن يجري الرئيس عبد ربه منصور هادي مشاورات تفضي إلى تشكيل "حكومة كفاءات" في غضون شهر وتعيين مستشارين سياسيين للرئيس من الحوثيين والحراك الجنوبي.
معقد ومتدهور
وبعد توقيع الاتفاق بيومين صرح بن عمر بأن الوضع باليمن "معقد ومتدهور بعد سيطرة الحوثيين على المقار الحكومية ومطار صنعاء واستولوا على مخازن الأسلحة"، وأضاف أن المنظمة الدولية "قلقلة من الأوضاع المتجهة إلى حرب أهلية، إذا لم تلتزم الأطراف بما تم الاتفاق عليه".
سيطرة الحوثيين على المقرات الحكومية والمطار عقدت مهمة بن عمر (غيتي إيميجز) |
وأوضح أنه "حدث تفكك للدولة وانهارت الأجهزة الأمنية والعسكرية، صنعاء باتت في قبضة المسلحين الذين بالمؤسسات الحكومية، ونهبوا مخازن ومستودعات الأسلحة ونقلوا المعدات الثقيلة إلى أماكن أخرى"، وخلص إلى أن "الحوثيين هاجموا واقتحموا بيوت خصومهم السياسيين، وكل الدلالات الآن لا تبشر بالخير".
ولم يكتف الحوثيون بما سبق، بل أصدروا في السادس من فبراير/شباط 2015 "إعلانا دستوريا" يتضمن حلّ البرلمان وتشكيل مجلس وطني انتقالي ومجلس رئاسي من خمسة أعضاء، وذلك لتنظيم الفترة الانتقالية التي حددتها اللجنة بعامين عقب انقلاب الحوثيين على السلطة.
وبعدما أصبح الحوثيون قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على كامل مدينة عدن (جنوب) التي لجأ إليها الرئيس عبد ربه منصور هادي بعد تمكنه من الإفلات من قبضة الحوثيين، شن تحالف بقيادة السعودية عملية عسكرية باسم "عاصفة الحزم" لضرب الحوثيين ومنعهم من السيطرة على البلاد وعودة الشرعية المتمثلة بالرئيس هادي.
وتلقت العملية دعما أمميا بصدور قرار رقم 2216 من مجلس الأمن الدولي يوم 14 أبريل/نيسان 2015 تحت الفصل السابع يحظر تزويد الحوثيين بالأسلحة ويفرض عقوبات على قادتهم وعلى أحمد نجل الرئيس المخلوع.
وفي 27 أبريل/نيسان 2015 قدم بن عمر إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن الدولي أوضح فيها أن "المطالب الواردة في القرار 2216 التي تطالب الحوثيين بالانسحاب من المناطق التي احتلوها وتسليم أسلحتهم، لم تلقَ أي استجابة، وأن الحرب اتسعت رقعتها وباتت مواجهة شاملة تتدافع فيها أجندات إقليمية، بينما يستفيد تنظيم القاعدة من الفوضى وحالة عدم الاستقرار في اليمن".
وتابع أنه قدم لمجلس الأمن تحذيرات متكررة عن "عرقلة ممنهجة"، وانتقد عدم تحرك المجلس بالسرعة الواجبة.
وكشف أنه عقد "ستين جلسة حوارية و150 اجتماعا متعدد الأطراف لتقريب وجهات النظر. وتم خلالها التوافق على جميع القضايا باستثناء قضية عمل مؤسسة الرئاسة، وكنا قاب قوسين أو أدنى من التوصل إلى اتفاق".
شماعة
وعن الانتقادات الخليجية لدوره في المفاوضات واتهامات المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة خالد اليماني له بمحاولة شرعنة الانقلاب ومساندة الحوثيين بعد قوله إنه "كان على وشك إبرام اتفاق في اليمن قبل بدء عاصفة الحزم"، أكد بن عمر أن "الأمم المتحدة لا يمكن أن تكون الشماعة لتحمل مسؤولية ما حدث، فنحن عملنا في إطار قرارات مجلس الأمن والمهام التي كلفنا بها الأمين العام وهي تقريب وجهات نظر الأطراف، لقد تعاملنا مع الأطراف السياسية على نفس المسافة ولم نتبنَّ وجهة نظر حزب معين، لكن مع التصعيد واتساع رقعة الاشتباكات تعثرت المفاوضات".
وصعبت هذه الانتقادات والهجوم على بن عمر مهمة خلفه الدبلوماسي الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، الذي عينته الأمم المتحدة يوم 25 أبريل/نيسان 2015، وأوضحت المنظمة الأممية أن ولد الشيخ أحمد -يعمل في بعثة أممية لمكافحة مرض إيبولا وشغل عدة مناصب أممية على مدى 28 عاما، لاسيما منصب المنسق الإنساني في سوريا (2008-2012) واليمن (2012-2014) ثم منصب مساعد رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا- سيكون "صلة وصل بين دول مجلس الأمن ودول الخليج العربي وحكومات المنطقة وشركاء آخرين لتوطيد جهود الوساطة وجمع أطراف النزاع حول طاولة المفاوضات بهدف التوصل إلى تسوية سياسية في اليمن".
"بالجملة" في ليبيا
مبعوثون إضافيون-يمينا من الأعلى:داليتا محمد داليتا(الاتحاد الإفريقي)دونيس غوير(فرنسا)جوناثان باول(بريطانيا) بالأسفل ديفد ساترفيلد(أميركا) الإيطالي أغوسيننو ميوزو (الاتحاد الأوروبي) أمر الله إشلر(تركيا
تميزت ليبيا عن باقي دول الربيع العربي بوضعها تحت المجهر الدولي مباشرة بعد اندلاع ثورتها في 17 فبراير 2014 على ضوء ما تردد عن ارتكاب نظام العقيد الراحل معمر القذافي وكتائبه الأمنية مجازر وانتهاكات لحقوق الإنسان.
فبعد عشرة أيام على اندلاع أحداث بنغازي، أدان مجلس الأمن في القرار ١٩٧٠ «الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان»، واعتبر أنها «ترقى إلى مرتبة جرائم ضد الإنسانية»، وقرر إحالتها تحت الفصل السابع إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
استخدمت ذريعة حشد القذافي قواته لاستعادة مدينة بنغازي لاستصدار قرار ثان من مجلس الأمن الدولي في السابع عشر من مارس/ آذار تحت الرقم ١٩٧٣، وسمح «باتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين والمناطق الآهلة بالسكان المدنيين المعرضين لخطر الهجمات»، وتم بموجب هذا القرار تشريع تدخل حلف الناتو في الحرب على نظام العقيد معمر القذافي، بالتزامن مع فرض حظر على جميع الرحلات الجوية في المجال الجوي للجماهيرية.
متري قال إن انتخابات ليبيا لم تكن مثالية (الأوروبية) |
وأعلن مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة عبد الرحمن شلقم في كلمة مؤثرة ، انشقاقه عن النظام خلال الجلسة المخصصة لتمرير القرار، ما اضطر روسيا والصين للاكتفاء بالامتناع عن التصويت.
وبالاستناد إلى نص القرار 1973 عين الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الأردني عبد الإله الخطيب في أبريل/نيسان مبعوثا له مهمته التنسيق مع الحكومات الإقليمية لـ"ضمان الانتقال إلى نظام حكم ديمقراطي في ليبيا".
وهو بهذه الصفة وخلال يوليو/تموز -الذي شهد محاولات للخروج من المراوحة السياسية والعسكرية بين الثوار وقوات العقيد القذافي- طرح مبادرة لتقاسم السلطة تنص على تشكيل مجلس رئاسي مؤلف من شخصين من المجلس الوطني الانتقالي وشخصين من النظام من التكنوقراط، ويتفق الأربعة على تعيين شخص خامس رئيساً موقتا للبلاد على أن يتنحى القذافي من دون أن يحاكم. لكن المبادرة لم تلق تجاوبا من المجلس الوطني الانتقالي الذي تخوف من تبعات بقاء القذافي فرفضه.
مارتن
ومع سقوط العاصمة طرابلس في أيدي الثوار أواخر أغسطس/آب 2011 أجرت الأمم المتحدة تغييرا في مقاربتها للوضع الليبي فأنشأت في سبتمبر/أيلول 2011 "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا" (أونسميل) وعينت البريطاني إيان مارتن رئيسا لها.
واكب مارتن إرهاصات التحول الديقراطي الأولى في ليبيا بعد مقتل القذافي في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 ثم تنظيم انتخابات ديمقراطية في يوليو/تموز 2012 لأول مرة منذ انقلاب القذافي قبل 41 عاما. وقدم إحاطة بعدها إلى مجلس الأمن قال فيها "إن الشعب الليبي في طريقه إلى أول تداول سلمي ديمقراطي للسلطة".
في سبتمبر/أيلول 2012 تسلم اللبناني طارق متري مسؤولية بعثة المساعدة إلى جانب مسؤولية الإشراف على تطبيق قرارات مجلس الأمن. وهي تشمل القرار (2009) لسنة 2011 الذي خفف بموجبه بعض تدابير حظر الأسلحة وحظر السفر وتجميد الأموال ورفع بعضها. ثم القرار رقم (2095) لسنة 2013 الذي تضمن تخفيفا للحظر على الأسلحة قبل أن يعاود تشديد العقوبات على تورديها إلى ليبيا في القرار (2174) لسنة 2014.
قانون العزل
بعد توليه مهام منصبه بشهور، أعلن متري أن انتخابات ليبيا "لم تكن مثالية" نظرا للصعوبات الأمنية. وفي 19 يونيو/حزيران 2013 انتقد قانون العزل سياسي معتبرا أنه "يكرس الإقصاء"، وشدد على ضرورة الجلوس للحوار. لكنه عاد في يوليو/تموز 2014 ليؤكد أن القوى الليبية المتصارعة "ضيعت فرصة الحوار".
في أغسطس/آب 2014، تمَّ تعيين الدبلوماسي الإسباني برناندينو ليون مبعوثا خاصة للأمين العام للأمم المتحدة خلفا لمتري الذي انتهت ولايته في سبتمبر/أيلول 2014.
حقق ليون اختراقه الأول في غدامس (غيتي إيميجز) |
حقق ليون في سبتمبر/أيلول 2014 اختراقا بإقناعه برلمانيين من المؤتمر الوطني وبرلمان طبرق بالاجتماع في غدامس. وأعلن في وقت لاحق أنه لا يمكن لليبيا أن تتجاوز مشاكلها إلا عبر الحوار، ورأى أن مهمة الأمم المتحدة تقوم على توفير الظروف السانحة له.
استمرت مبادرة ليون رغم تصاعد العنف -الذي دخل في طور غير مسبوق مع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية على ساحل سرت- وانتقل بها من غدامس إلى جنيف السويسرية.
وهناك عقد المتحاورون جلستين في يناير/كانون الثاني الماضي، ثم انتقل البرلمانيون وممثلون عن المجتمع المدني إلى مدينة الصخيرات بالمغرب مطلع مارس/آذار.
ورعا ليون هناك أربع جولات حوار غير مباشر بين ممثلي الأطراف الليبية أملا في التوصل إلى اتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، والتوصل إلى وقف إطلاق نار بين المتحاربين. بموازاة ذلك، رعا جلستين من حوار الأحزاب الليبية ، بالاتفاق مع حكومة الجزائر.
ورعا ليون هناك أربع جولات حوار غير مباشر بين ممثلي الأطراف الليبية أملا في التوصل إلى اتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، والتوصل إلى وقف إطلاق نار بين المتحاربين. بموازاة ذلك، رعا جلستين من حوار الأحزاب الليبية ، بالاتفاق مع حكومة الجزائر.
إلى جانب المبعوثين الدوليين الثلاثة، أوفدت سبع دول وهيئات إقليمية مبعوثين خاصين لها إلى ليبيا لمواكبة تطورات أزمتها السياسية، رغم وجود سفراء لهذه الدول تعمل في هذا البلد. وهم على التوالي ديفد ساترفيلد مبعوثا أميركيا، ودوني غوير مبعوثا فرنسيا، وجوناثان باول مبعوثا بريطانيا، وكليمنس فون غوتسه مبعوثا ألمانيا ، وإمر الله إيشلار مبعوثا تركيا، بالإضافة إلى داليتا محمد داليتا مبعوث الاتحاد الأفريقي وأغوستينو ميوز مبعوث الاتحاد الأوروبي.